Saturday, August 2, 2008

الترجمة و مشاكلها

محسن عتيق خان

الترجمة و مشاكلها

الترجمة أهم وسيلة من وسائل توسيع آفاق المعرفة و تسريع وتيرة التفاعل الحضاري بين الأمم حتى تتجاوز الأطراف اللغوية الضيقة لمعرفة العالم . إنها الوسيلة الأرفع لحوار الحضارات منذ القديم و قد ازدادت أهميتها في الوقت الراهن . فالأمم الأكثر تقدما هي الأكثر اهتماما بالترجمة لأنها تدرك أن الترجمة وسيلة مشاركة في ثمار العقول البشرية كافة. إنها ليست عملية نقل حرفي من لغة إلى أخرى، ولا هي صناعة ميكانيكية تقوم بإحلال كلمة أجنبية مقابل أخرى مغايرة. إنها إعادة صناعة المادة الأدبية وإدخال محسنات إضافية عليها لتكون صالحة للتداول في مجتمع آخر، وهي بالتالي إعادة صياغة للنتاج الأدبي أو الفني بأسلوب جديد.والترجمة بخصوصيتها الثقافية ومناخاتها جسر تواصل تشمل على جملة من النشاطات الذهنية تنهل من اختصاصات في اللغة والثقافة والتأليف والنحو.. وهي دعامة اساسية من دعامات التقدم والنهضةوالحضارة. تعريف الترجمة:

قد وضع لها علماء اللغة و الترجمة تعريفات متعددة و هنا نعرض بعضها لكي يتسنى لنا فهم هذا الفن الجليل الذي له العالم الخاص و المجال الواسع و له جذور الضاربة في التاريخ.

فعند نيومارك (Newmark) اللغوي المترجم الشهير " الترجمة هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة أو بيان مكتوب بلغة أخرى ".
و يقول كيتفورد Catford إن الترجمة هي"عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات(و يسميها اللغة المصدرSource Language SL) إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى (و يسميها اللغة المستهدف - أو باختصار اللغة المنقول إليها-Target Language TL)." أما هليدىHalliday فيعتقد أن "المعادل النصي فيما بين نصي اللغة المصدرو اللغة المنقول إليها لا يتطلب بضرورة إيجاد المقابل الشكلي بين هذين النصين على مستوى المفردات او القواعد، ولكن إيجاد معادل على مستوى النص بأكمله."و يقول بينشوش Pinchuch إنه" إذا كانت الترجمة تتمثل في عملية إحلال الكلمات وحدها، فقد يكون الإجراء الملائم هو الرجوع لقاموس ثنائي اللغة، على أن الترجمة، كما ينظر إليها كيلى Kelly، هي "تطبيق للغويات من منظور افتراض توافر السعي لإخراج نص يحمل المعنى المعادل للنص الأصلي."ويعتقد ((طه حسين))"أن الترجمة في الفن والأدب ليست وضع لفظ عربي موضع لفظ أجنبي، إذ أن الألفاظ شديدة القصور عن وصف الشعور في اللغة الطبيعية فكيف بها من لغة أخرى؟ الترجمة الفنية والأدبية عبارة عن عمليتين مختلفتين وكلاهما عسير". أما تعريف المترجم فهو كاتب ثان للنص و ليس مجرد ناقل له من لغة إلى أخرى ؛ وهو مسؤول عن أي إخفاق في نقل النص الأصلي بأمانة و دقة . و يجب أن يكون المترجم قادرا على مجاراة المؤلف الأصلي و التحليق في آفاق موازية لما أراده المؤلف .إستراتيجية الترجمة: ومن التعريفات السابقة نجد أننا نسعى بين اللغتين عند الترجمة:
اللغة الأولى: وهي التي ستتم الترجمة منها – أو اللغة المصدر SL.
اللغة الثانية: وهي اللغة التي ستتم الترجمة إليها – أو اللغة المنقول إليها TL.
ولكي تتم الترجمة بطريقة سلسة ووفق منهج صحيح، لابد من وجود قاعدة معينة نتبعها أثناء الترجمة. وتتمثل هذه القاعدة فيما يُعرف بـ " استراتيجية النقل " Transfer Strategy والتي تتمثل في:SL SL Rethink TLومعنى ذلك أنه قبل أن نشرع في عملية الترجمة، فلابد لنا من فهم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر من منظور أو على أساس القواعد الحاكمة لهذه اللغة نفسها. وتنطلق هذه القاعدة من بديهية مؤداها أن المترجم لا يستطيع ترجمة شيء لا يفهمه، أو أنه سيقوم بالترجمة بطريقة خاطئة إذا لم يحاول فهم نص الرسالة التي يقوم بترجمتها. فإذا ما انتهى المترجم من فهم نص الرسالة المكتوبة هكذا، كان له الحق في أن يشرع في عملية " إعادة التفكير "، وهذا ما يعني المقابلة بين القواعد الحاكمة للغة المصدر SL والقواعد الحاكمة للغة التي سيتم النقل إليها TL، وإيجاد الصورة الملائمة الموجودة في اللغة التي سيتم النقل إليها، والتي تكاد تكون معادلة تماما للصورة التي كُتبت بها الرسالة في اللغة المصدر. وحينئذ يقوم بالترجمة التي ستكون أقرب صورة لنص الرسالة المكتوبة باللغة الأصلية. أي أنه يجب على أي مترجم أن يفهم أولا الرسالة التي سينقلها على أساس قواعد اللغة المكتوب بها هذه الرسالة نفسها، ثم بعد ذلك يعيد نقل الفكرة إلى اللغة المنقول إليها.
وهكذا فلابد للمترجم من السير وفق هذه الاستراتيجية لكي يتجنب الوقوع في الأخطاء، ولكي تكون ترجمته أقرب شيء إلى الصواب. مراحل الترجمة: ومما سبق نجد أن عملية الترجمة تنقسم إلى مرحلتين أساسيتين:المرحلة الأولى: وتهتم بتحليل analysis نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر SL، من أجل التوصل للمعنى الحقيقي الذي يتضمنه هذا النص. ثم نبدأ في عملية إعادة التفكير، لندخل إلى:
المرحلة الثانية: وتهتم بصياغة synthesis معنى النص المترجم باللغة المنقول إليها TL، من أجل التوصل إلى أسلوب صحيح تماما يماثل الأساليب التي تتم الكتابة بها عادة في هذه اللغة. أنواع الترجمة: تنقسم الترجمة إلى ثلاثة أنواع:
  1. ترجمة تحريرية:هي ترجمة نص مكتوب إلى نص مكتوب بلغة اخرى.
  2. ترجمة تتبعية:هي عندما يستمع المترجم للمتحدث وعندما يصمت المتحدث يبدأ المترجم بإعادة ما قاله المتحدث باللغة المترجم لها, وعادة يستخدم هذا النوع من الترجمة في المقابلات بين رؤساء الدول و كبار المسؤلين .
  3. ترجمة فورية: هي ترجمة ما يقال من قبل شخص اثناء حديثه بحيث يضع المترجم سماعة يستمع من خلالها للمتحدث وفي نفس الوقت يترجم إلى اللغة الاخرى,ويعد هذا النوع أصعب انواع الترجمة على الاطلاق حيث انه لايستحمل الخطاء او التفكير ولابد من ان يكون الترجم متقنا لكلتا اللغتين, ويستخدم هذا النوع من الترجمة في البرامج التلفزيونية المباشرة التي يستضاف فيها اجانب كما نشاهد عادة في قناة الجزيرة والعربية.
مكان الترجمة و أهميتها: الترجمة تحتل مكان لغة التعارف بين الأمم و الشعوب و الدول منذ القدم، فقد استطاعت الأمم والشعوب، بفضل هذه اللغة، أن تتبادل الأخذ والعطاء منذ أقدم العصور، مثرية بعضها بعضا، ومستفيدة من ذلك أشد ما تكون الاستفادة. فلولا ترجمة كتب الأديان لما تمكن الدعاة من إشاعة أديانهم و مذاهبهم في غير مناطقهم، و لو لا ترجمة الآداب لما عبرت الإلياذة وألف ليلة وليلة الأزمنة والأمكنة، ولما استلهم دانتي المعري، ولما استمتع الناس بما أبدعته أقلام سيرفانتس وتولستوي وبلزاك وهمنغواي وماركيز ومحفوظ ودرويش، ولولا ترجمة العلوم منذ قرون لما انتقلت معارف اليونان وبلاد فارس والهند إلى بغداد، ولما ارتحلت بعد ذلك إلى باليرمو وساليرنو وطليطلة بالأخص، ثم منها إلى باقي ربوع أوروبا، ومنها، أخيرا، إلى أرجاء العالم كافة. ولولا ممارسة الترجمة الفورية لما عُقدت آلاف المؤتمرات والاجتماعات الدولية والإقليمية، ولما أبرمت أعداد لا تحصى من العقود والاتفاقات... ولولا كل ذلك لما اطلع الناس على أساليب معيشة شعوب وأمم مختلفة عنهم، ولما نشأت ألوان من التفاهم والألفة والحوار والتفاهم بين الثقافات، حتى وإن كانت الترجمة تستغل أيضا في سرقة أفكار الغير، والاعتداء على الآخرين، وشن الحروب، وارتكاب المظالم.
لنتصور عالما بدون ترجمة! - افتراض مستحيل؟
لنحصر هذا الافتراض المستحيل في مجال واحد فقط، هو مجال الإعلام. فهل يمكن أن نتصور إعلاما من دون ترجمة؟ أونتصور وكالات الأنباء العظمى التي تحتكر نقل الأخبار اليومية بما لا يزيد عن خمس لغات أو ست، منها لغة واحدة (من لغات الشمال) تحظى بنصيب الأسد. ومن هذه اللغات القليلة تنقل الأخبار إلى عشرات، بل مئات من لغات الجنوب. مشاكل الترجمة : الترجمة عمل شاق و مهنة دائما في محنة، فليست هي مجرد نقل عمل أدبي أو علمي من لغة إلى لغة أخرى، بل هي إعادة "خلق" ذلك العمل في لغة أدبية تقربه إلى الناطقين باللغة المترجم إليها و لذلك هي تتطلب مهارات خاصة منها الإلمام بكلتا اللغتين إلماما دقيقا يسهل على المترجم توصيل الفكرة التي أرادها الكاتب بأقصر طريق، كما تتطلب الترجمة معرفة عميقة بأسلوب الكاتب المترجم له و دلالات الألفاظ التي يستخدمها، و الاطلاع الواسع على كل أعماله لاستيعاب أسلوبه الأدبي و شخصيته الأدبية من خلال أعماله مما يعين على الترجمة الدقيقة المناسبة لأعماله. و كذلك تتطلب الترجمة الإلمام الكافي باللغة المترجم إليها و معرفة أسرارها البلاغية و تعبيراتها المستخدمة مما يساعد على النقل الأمين و المناسب للعبارات و الأفكار. ذلك أن لكل لغة أساليبها و تعابيرها الخاصة المرتبطة بثقافتها و حضارتها و عادات و تقاليد الناطقين بها. و تختلف درجة صعوبة الترجمة من كاتب لكاتب و من عمل أدبي لآخر، لأن لكل كاتب موضوع و لكل موضوع ألفاظه و تعابيره الخاصة التي قد يصعب وجود مقابل لها في اللغة المترجم إليها.وهنا نعرض كيف يدرك ويعالج المترجم الشهير فيدروف بعض المشاكل الرئيسية مثل المعجمية والنحوية والنصوصية(اي جنس النص المترجم)التي تظهر اثناء الترجمة.المشاكل المعجمية، وتتناول أمرين: اولهما عند استدعاء الحاجة الى صياغة مصطلح جديد غير موجود في اللغة المترجم اليها، فكيف يتعامل معها المترجم. يجيب فيديوروف بالقول انه في هذه الحالات المعدودة التي يلجأ فيها المترجم لصياغة مصطلح جديد، عليه ان يعمد الى العناصر المعجمية والصرفية الموجودة في اللغة المترجم اليها إنطلاقا من معرفته واحاطته بهذه العناصر؛ اخذا بنظر الاعتبار اهمية سياق النص الذي يحتوي على الكلمات او التعابير التي هي بحاجة الى صياغة مصطلحية. ويعطي فيدوروف اهمية لمضمون النص المحدود منه والواسع لانه من الضروري الاختيار بين الامور الثلاثة الآتية عند الحاجة لنقل معنى غير موجود في اللغة المترجم اليها، وهذه الاختيارات هي: n عدم وجود -في اللغة المترجم اليها- مكافئ معجمي لكلمة في اللغة المترجم عنها n المكافئ غير تام ، بمعنى انه يعطي جزئيا معنى الكلمة الاجنبية n وجود كلمات مختلفة في لغة الهدف مقابل معاني مختلفة لكلمة محل اشكال في اللغة المترجم عنها. والامر الثاني يتعلق بالمرادفات حيث يتردد احيانا عند ممارسة الترجمة وحتى بين المترجمين المحترفين الحديث عن محدودية هذه اللغة او تلك للتعبير عن معنى محدد لكلمة او تعبير. غير ان واقع الامر هو ان العجز ليس امر اللغة نفسها بقدر ماهو قصور الملكة المعرفية للمترجم ، إذ تمكنه هذه الملكة من عرض اكبر عدد ممكن من البدائل الترجمية التي تحتويها اللغة فضلا عن انه لايلجأ الى المصادر المعجمية لاستشارتها متخذا بذلك موقفا سلبيا أمام مشكلة البحث عن المكافئات. إن هذا النقص في روح التقصي والبحث يشكل دونما شك احدى المشاكل التي يصعب تجاوزها حتى عند اؤلئك المترجمين المقتدرين حيث يتولد عندهم شعور الكفاية الذاتية و الثقة المفرطة متانسين محدودية الخزين(الحفظ) البشري الذي يتطلب التحديث والتجديد من حيث علاقته بالذاكرة. ويعلق فيديوروف قائلا: انه كلما توسع وكبر مجال وسائل المرادفات التي يمتلكها المترجم، زادت امكانية نجاح عمله. مشاكل النصوص:بلا شك، لم يقتصر جهد فيدوروف ومساهماته على مجال نظرية الترجمة بل يتعداه الى حقل النظرية اللغوية نفسها حين يعي محللا ومطبقا فرضية ما حول معالم( طوبوغرافية) النصوص وتخصصية النصوص؛ حيث يمكن اعتبارها احدى اولى المحاولات المنهجية في دخول حقل النصوص اللغوية. لانه لا يكتفي بتقديم اعتبارات نظرية فقط، بل يطبقها بصورة صحيحة في حالات ترجمية معينة.ويقر فيديوروف بريادة سوبوليف في حقل المعالم النصية(طوبوغرافيا النص). في كتابه مسائل نظرية ومنهجية في الترجمة العلمية، يميز سوبوليف( حسبما يذكر فيدوروف) المادة المترجمة الى ثلاث مجاميع اساسية من جهة نصوصها: فنية، اعلانية وعملية. وتتميز هذه الانواع الثلاثة من النصوص وفقا لسوبوليف بالخصوصيات التالية: فالمعيار لدقة الترجمة الفنية هو نقل الوسائل التعبيرية المختلفة من جهة ثراء التصورات والخيال ومشاعر الانفعالات واما النصوص الاعلانية فخصوصيتها تكمن في طبيعتها الدعائية جدا واخيرا تتميز الترجمة العلمية والتقنية بالمصطلحات.ومن جهته ، يقسم فيدوروف اعمال الترجمة غير المقتصرة على النصوص الادبية الى ثلاث مجاميع : 1- نصوص صحفية- اخبارية، توثيقية وعلمية متخصصة. 2- نصوص دعائية 3- أعمال فنية ادبيةوفيما يتعلق باحتمالية وجود نصوص تجمع خصائص اكثر من نوع واحد من المجاميع المذكورة اعلاه وحول معيار التصنيف، يقول فيديوروف:"يشار احيانا بهذا الخصوص بوجود مواد انتقالية وسطية او انواع هجينة من المواد ، مثلا في الادب الفني: اعمال تتعلق بالاخراج ولكنها ذات مصطلحات غزيرة وبيانات واقعية؛ وفي الادب العلمي: اعمال ذات طبيعة شعبية تستخدم وسائل تعبيرية ثرية بالخيال والصور الفنية.ان معيار هذا التصنيف هو اسلوبي محض بكل ماتعنيه الكلمة . حيث يسجل هذا التصنيف الوظائف التي تؤديها هذه الطائفة او تلك الطائفة من الوسائل اللغوية(من نحو مصطلحات، تعابير، خصائص جنس معين ، تراكيب نحوية سائدة، عناصر معجمية وقواعدية ثرية بمخزونها من الصور والمشاعر)، جنبا الى جنب الخاصية العامة للمضمون الذي يتم التعبير عنه من خلال الجنس الأدبي المعين."يلاحظ بوضوح ان فيدوروف بعرضه هذا التصنيف لمعالم النصوص، نجده متساوقا ومتناغما مع ماعرضه حول تلاحم الشكل والمضمون وحول النص كوحدة تحليلية. حسنا ، ان الاتساق النوعي بين بعض وسائل تعبيرية مختلفة(مصطلحات، تراكيب نحوية، صور تعبيرية) والمضمون نفسه الذي يعبر عنه في النص بوساطة هذه الوسائل ، هو الذي يقرر الانتساب من عدمه الى احدى انواع المعالم النصية التي ذكرها المؤلف. من جهة اخرى، وفي نفس اتجاه تفكير فيدوروف، نضيف ان هذا الاتساق النوعي بين الشكل والمضمون والذي يقرر معالم النص، ذي علاقة مباشرة باهتمام المؤلف وانشغاله لتحقيق وبلوغ الاستقبال (= الاستيعاب) المناسب عند مستمع النص او قارئه.لنمعن النظر وبدقة متناهية في اطروحات فيدوروف حول النصوص العلمية والنصوص الادبية اللتان تعتبران متضادين من جهة اقامة وتاسيس الاتساق بين الشكل والمضمون.النص العلمي: يشير فيدوروف الى اهمية المصطلحات قائلا: في ترجمة النص العلمي - التقني(كتب، مجلات وموسوعات)، تواجهنا مسائل المصطلحات بكل ابعادها ذات العلاقة بحقل من حقول المعرفة.وعموما فان مصطلحات جزء من نص متخصص معين تسود على بقية اجزاء النص من الكلمات. ولكن يصدق ايضا ان الكلمات العامة عند ورودها ضمن مجال من مجالات العلم والتقنية ، قد تكتسب معاني مختلفة باعتبارها ترمز الى اشياء ومفاهيم مختلفة اعتمادا على المضمون. في هذا الصدد يعتبر الاقتراض اللغوي حلا مهما حين لايوجد المقابل في اللغة المترجم اليها.النص الادبي: تكمن مهمة الترجمة في النص الادبي باعادة انتاج واظهار الخصائص الفردية لنص اصلي معين ، وهذا يشير الى وظيفة النص وليس بالضرورة الى الخصائص الشكلية في الاصل: مثلا في الترجمة من العربية للإنجليزية، عندما يكون تركيب العبارة والمعنى الجوهري للكلمات في حوار رواية او عمل نحوي مناظرا للنص الاصلي، يتم بسهولة تحسس اللون الادبي للنص الموجود في الاصل.ومن تعريف الفن على انه فكر مصور وفكر خيال، فان صور الادب الفني ، على خلاف صور الفنون الاخرى، ترتبط مباشرة باللغة التي تمثلها وتستعرضها- اي الصور- "كعنصر اولي" حسب قول غوركي. وهذا يعني ان اسس هذه الصور الادبية هي فئات لغوية معينة: معجمية ونحوية، حيث ان الارتباط بين الصورة والفئة اللغوية هو ارتباط وثيق ومباشر. وهذا يقرر وبدقة نوعية العلاقة بين المضمون والشكل اللغوي في الفن الادبي مقارنة بالنص العلمي والنص التوثيقي العملي والنص الصحفي الاخباري حيث وظيفة الشكل اللغوي هي التعبير عن المفهوم والفكرة مؤديا بذلك مقاما اقل فاعلية. بينما نجد ان الشكل اللغوي في النص الادبي يتبادل استثنائيا عمله الفعال مع المضمون او مع كل صور المنظومة، بحيث تكون خصائصه مقررة لاستيعابه.وهكذا فالعلاقة الوثيقة و المباشرة بين الشكل والمضمون في النص الادبي تجعل من ترجمته محفوفة بمشاكل نوعية من جهة تسلسل الوسائل اللغوية الشكلية التي تسمح باعادة انتاج مضمون الصور الموجودة في النص الاصلي. على ان هذا لايعني استحالة ترجمة نصوص من مثل هذه الانواع وعلى وجه الخصوص الشعرية منها بسبب خصوصيات الشكل في النص الاصلي. تمتلك اللغت وسائل ، ليست بالضرورة صنوية، يمكن اللجوء اليها لاعادة انتاج شكل معين . ولقد ترك هذا السيل من احتمالات العلاقة بين وسائط الشكل اللغوي والمضمون في انجاز ترجمات الاعمال الادبية بصماته ولايزال في تاريخ الترجمة.وعلق فيدوروف على هذه النقطة قائلا: وفيما يتعلق بتعميم هذه التوجهات التي لوحظت وتلاحظ في الترجمات(في الماضي وفي الوقت المعاصر)، يمكننا ان نبين بعض حالات اساسية من العلاقة والتقابل بين خصوصية النص الاصلي وترجمته: فقدان شخصية النص من اجل تحقيق مفهوم الضرورة الادبية لمعيار اللغة التي يترجم اليها وكذلك لاجل تحقيق التذوق لاتجاه ادبي معين. محاولات اعادة انتاج العناصر الشكلية للاصل دون اعتبار لمتطلبات اللغة المترجم اليها، و تؤدي هذه الظاهرة في النهاية الى انتهاك معايير هذه اللغة وتضفي عليها قيمة اسلوبية متدنية. تحريف وتشويه الخصوصية الفردية للاصل كنتيجة لعملية اختيار عشوائي للوسائل اللغوية، فضلا عن الابدال العشوائي لبعض خصائص النص الاصلي ودقائقه الاحتفاظ بقيمة التفرد الخاص للنص الاصلي بجميع دقائقه الاساسية ووفقا لمتطلبات لغة الهدف. ويتضح ان العنصر اللغوي يجب ان يؤدي مقاما مميزا في تشكيل علم الترجمة ،الذي يمر اليوم بمرحلة تعزيز اسسه، حسب ما طرحه فيدوروف. على ان هذا لايعني أن تقتصر الدراسات الترجمية على التحليل اللغوي بالمعنى الحرفي، بل تعني ان يكون التحليل اللغوي هو نقطة ألانطلاق. يتبين لنا ايضا مما استعرضناه في هذه الدراسة ان فيدوروف يعتبر رائد علم الترجمة الحديث وان لم يقر له بذلك الا بضعة باحثين في الترجمة مثل (مونين) و(جارسيا - يبرا)... و هذا واضح وجلي اذ تتاكد لنا صلاحية عمله وفاعليته عند تامل ودراسة اطروحاته النظرية التي عرضها وطبقها على حالات معينة محل إشكال ومن خلالها ندرك حرصه وشغفه على تفسيرها باسلوب تعليمي وواضح بحيث يستفيد منه المترجمون والمهتمون بتدريس اللغات على حد سواء.ولدراسة الترجمة بصورة علمية فهناك منهجان هما: علم الترجمة العام وهو يقابل ما اطلق عليه فيدوروف النظرية العامة، وعلم الترجمة الوصفي (النظرية الخاصة باصطلاح فيدوروف) الذي يتولى دراسة المشاكل الترجمية في لغتين. وبهذه الطريقة يتولد في الترجمة منهج بحثي يكون مجاله-حسبما يشير فيدوروف- مناظرا لمجال الدراسة الموجود حاليا بين علم اللغة العام وعلم لغة معينة على وجه الخصوص. فبينما يسعى علم اللغة العام الى تاسيس مبادىء لغوية عامة على نطاق عالمي، نجد الثاني يجتهد في تاشير(=وصف،تحليل،توضيح)خصائص الاختلاف بين اللغات الموجودة.يتولى علم الترجمة العام-متبعين مبادىء فيدوروف وحسب فهمنا لها- دراسة الانساق العامة الموجودة في النشاط الترجمي ؛ يعني توضيح القاسم المشترك للنشاطات ،المناهج والوسائل المؤدية الى انجاز العمل الترجمي. وبالنشاطات نعني الى مايدور في خلد المترجم من أنشطة والتي يكمن احدها في ربط وسيلة لغوية ما بالمحتوى النصي المقابل باتفاق وتناسق مع السياق والمتغايرات الاخري الموجودة في العملية الترجمية. اما المناهج والوسائل فتشير الى التقنيات والطرق اللازمة لتحقيق النشاط الترجمي. ومن جهته فان علم الترجمة الخاص يتولى دراسة موارد التشابه والاختلاف الموجودة بين لغتين معينتين ،اعتمادا على علم اللغة المقارن،من حيث الأنماط والنصوص والقواعد.في النهاية تجدر الاشارة الى ان فيدوروف عام 1953 اقر احدى فرضيات معالم النصوص وطبقها بنجاح في تحليله على بعض المشاكل وخاصة في الترجمة الادبية. إن هذا يشكل بلاشك سابقة قيمة لعلم اللغة النصوصي ،الذي ترسخت جذوره الاساسية في المانيا خلال حقبة الستينيات، وكذلك لعلم الترجمة الحديث الذي يقيم ويدرك الاهمية النظرية والاهمية التطبيقية لدراسات المعالم النصوصية. المصادر:
  1. محمد فرحات: الترجمة العلمية، طبع شركة رشاد، بومس، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية عام 1996م
  2. إبراهيم زكي: فن الترجمة و مشاكلها، طبع بدار النشر و التوزيع، بيروت ، لبنان، الطبعة الأولى سنةم1991م.
  3. الدكتور قمر رئيس: ترجمة كا فن اور روايت، تاج ببلشنغ هاؤس، المسجد الجامع، نيو دهلي, يوليو عام 1976م.
  4. - جورج مونين(1963): مشاكل الترجمة النظرية" بحوالة مقال على الإنترنت.
5. P,Newmark : Meaning-based Translation (1989) بحوالة مقال على الموقع الشبكي:http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm
  1. فيدروف "مسائل نظرية ومنهجية في الترجمة العلمية" بحوالة مقال على الموقع الشبكي: http://www.bakatheer.com
  2. جريدة (الزمان) العدد 1393 التاريخ 2002 - 12 -

No comments:

مولانا مقبول احمد سالک صاحب سے چند ملاقاتیں اور باتیں

  مولانا مقبول احمد سالک صاحب سے چند ملاقاتیں اور باتیں تقریباً دو ہفتے قبل 12 ستمبر کو مولانا کی علالت کی خبر شوشل میڈیا کے ذریعے موصول ہوئ...